فصل: باب مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى

مساءً 3 :6
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*بَاب قَوْلُهُ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ قَالَ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ ثُمَّ قَرَأَ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏ ‏.‏

*3*بَاب فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏ ‏.‏

*3*سُورَةُ وَالضُّحَى

وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِذَا سَجَى اسْتَوَى وَقَالَ غَيْرُهُ سَجَى أَظْلَمَ وَسَكَنَ عَائِلًا ذُو عِيَالٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة والضحى - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد إذا سجى‏:‏ استوى‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره سجى أظلم وسكن‏)‏ قال الفراء في قوله‏:‏ ‏(‏والضحى والليل إذا سجى‏)‏ قال‏:‏ الضحى النهار كله، والليل إذا سجى إذا أظلم وركد في طوله، تقول بحر ساج وليل ساج إذا سكن‏.‏

وروى الطبري من طريق قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏إذا سجى‏)‏ قال‏:‏ إذا سكن بالخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عائلا ذو عيال‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

وقال الفراء‏:‏ معناه فقيرا، وقد وجدتها في مصحف عبد الله ‏"‏ عديما‏"‏، والمراد أنه أغناه بما أرضاه، لا بكثرة المال

*3*باب مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ودعك ربك وما قلى‏)‏ سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، وذكر في سبب نزولها حديث جندب، وأن ذلك سبب شكواه صلى الله عليه وسلم، وقد تقدمت في صلاة الليل أن الشكوى المذكورة لم ترد بعينها، وأن من فسرها بأصبعه التي دميت لم يصب‏.‏

ووجدت الآن في الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب نزولها وجود جرو كلب تحت سريره صلى الله عليه وسلم لم يشعر به فأبطأ عنه جبريل لذلك، وقصة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة، لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب، بل شاذ، مردود بما في الصحيح والله أعلم‏.‏

وورد لذلك سبب ثالث وهو ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال ‏"‏ لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فتغير بذلك فقالوا‏:‏ ودعه ربه وقلاه‏.‏

فأنزل الله تعالى ‏(‏ما ودعك ربك وما قلى‏)‏ ‏.‏

ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير قال ‏"‏ فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وأحزنه فقال‏:‏ لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني، فجاء جبريل بسورة والضحى‏"‏‏.‏

وذكر سليمان التيمي في السيرة التي جمعها ورواها محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال ‏"‏ وفتر الوحي، فقالوا‏:‏ لو كان من عند الله لتتابع‏.‏

ولكن الله قلاه‏.‏

فأنزل الله‏:‏ والضحى وألم نشرح بكمالهما ‏"‏ وكل هذه الروايات لا تثبت، والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي، فإن تلك دامت أياما وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثا، فاختلطتا على بعض الرواة، وتحرير الأمر في ذلك ما بينته‏.‏

وقد أوضحت ذلك في التعبير ولله الحمد‏.‏

ووقع في سيرة ابن إسحاق في سبب نزول والضحى شيء آخر، فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين والروح وغير ذلك ووعدهم بالجواب ولم يستثن، فأبطأ عليه جبريل اثنتا عشرة ليلة أو أكثر فضاق صدره، وتكلم المشركون‏:‏ فنزل جبريل بسورة والضحى، وبجواب ما سألوا، وبقوله تعالى ‏(‏ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله‏)‏ انتهى‏.‏

وذكر سورة الضحى هنا بعيد، لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربا فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلى الأخرى، وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث، وإنما كان بعد ذلك بمدة والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى قَوْلُهُ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا تَرَكَكَ وَمَا أَبْغَضَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت جندب بن سفيان‏)‏ هو البجلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءت امرأة فقالت‏:‏ يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك تركك‏)‏ هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب‏.‏

وقد تقدم بيان ذلك في كتاب قيام الليل‏.‏

وأخرجه الطبري من طريق المفضل بن صالح عن الأسود بن قيس بلفظ ‏"‏ فقالت امرأة من أهله ‏"‏ ومن وجه آخر عن الأسود بن قيس بلفظ ‏"‏ حتى قال المشركون ‏"‏ ولا مخالفة لأنهم قد يطلقون لفظ الجمع ويكون القائل أو الفاعل واحدا، بمعنى أن الباقين راضون بما وقع من ذلك الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قربك‏)‏ بكسر الراء، يقال يقربه بفتح الراء متعديا، ومنه ‏(‏لا تقربوا الصلاة‏)‏ ، وأما قرب بالضم فهو لازم‏.‏

تقول قرب الشيء أي دنا‏.‏

وقد بينت هناك أنه وقع في رواية أخرى عند الحاكم ‏"‏ فقالت خديجة ‏"‏ وأخرجه الطبري أيضا من طريق عبد الله بن شداد ‏"‏ فقالت خديجة ولا أرى ربك ‏"‏ ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ فقالت خديجة لما ترى من جزعه ‏"‏ وهذان طريقان مرسلان ورواتهما ثقات، فالذي يظهر أن كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك، لكن أم جميل عبرت - لكونها كافرة - بلفظ شيطانك، وخديجة عبرت - لكونها مؤمنة - بلفظ ربك أو صاحبك‏.‏

وقالت أم جميل شماتة وخديجة توجعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله ما ودعك ربك وما قلى‏)‏ كذا ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي، وهو تكرار بالنسبة إليه لا بالنسبة للباقين لأنهم لم يذكروها في الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد ما تركك ربك‏)‏ أما القراءة بالتشديد فهي قراءة الجمهور، وقرأ بالتخفيف عروة وابنه هشام وابن أبي عليه‏.‏

وقال أبو عبيدة ‏"‏ ما ودعك ‏"‏ يعني بالتشديد من التوديع و ‏"‏ ما ودعك ‏"‏ يعني بالتخفيف من ودعت انتهى، ويمكن تخريج كونهما بمعنى واحد على أن التوديع مبالغة في الودع لأن من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس ما تركك وما أبغضك‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بهذا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْبَجَلِيَّ قَالَتْ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَكَ فَنَزَلَتْ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الرواية الأخيرة‏:‏ ‏(‏قالت امرأة‏:‏ يا سول الله ما أرى صاحبك إلا أبطأك‏)‏ هذا السياق يصلح أن يكون خطاب خديجة، دون الخطاب الأول فإنه يصلح أن يكون خطاب حمالة الحطب لتعبيرها بالشيطان والترك ومخاطبتها بمحمد، بخلاف هذه فقالت‏:‏ صاحبك‏.‏

وقالت أبطأ‏.‏

وقالت يا رسول الله‏.‏

وجوز الكرماني أن يكون من تصرف الرواة، وهو موجه لأن مخرج الطريقين واحد‏.‏

وقوله ‏"‏أبطأك ‏"‏ أي صيرك بطيئا في القراءة، لأن بطأه في الإقراء يستلزم بطء الآخر في القراءة، ووقع في رواية أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة ‏"‏ إلا أبطأ عنك‏"‏

*3*سُورَةُ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وِزْرَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْقَضَ أَثْقَلَ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ يُسْرًا آخَرَ كَقَوْلِهِ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَانْصَبْ فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة ألم نشرح لك - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، وللباقين ‏"‏ ألم نشرح ‏"‏ حسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ وزرك في الجاهلية‏)‏ وصله الفريابي من طريقه، و ‏"‏ في الجاهلية ‏"‏ متعلق بالوزر، أي الكائن في الجاهلية وليس متعلقا بوضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنقض أتقن‏)‏ قال عياض‏:‏ كذا في جميع النسخ ‏"‏ أتقن ‏"‏ بمثناة وقاف ونون، وهو وهم والصواب أثقل بمثلثة وآخرها لام‏.‏

وقال الأصيلي هذا وهم في رواية الفربري، ووقع عند ابن السماك أثقل بالمثلثة هو أصح، قال عياض‏:‏ وهذا لا يعرف في كلام العرب، ووقع عند ابن السكن ‏"‏ ويروي أثقل ‏"‏ وهو الصواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروي أثقل وهو أصح من أتقن‏)‏ كذا وقع في رواية المستملي وزاد فيه قال الفربري سمعت أبا معشر يقول ‏(‏أنقض ظهرك‏)‏ ‏:‏ أنقل‏.‏

ووقع في الكتاب خطأ، قلت‏:‏ أبو معشر هو حمدويه بن الخطاب بن إبراهيم البخاري، كان يستملي على البخاري ويشاركه في بعض شيوخه، وكان صدوقا، وأضر بأخرى‏.‏

وقد أخرجه الفريابي من طريق مجاهد بلفظ ‏"‏ الذي أنقض ظهرك، قال أثقل‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وهذا هو الصواب، تقول العرب أنقض الحمل ظهر الناقة إذا أثقلها وهو مأخوذ من النقيض وهو الصوت ومنه سمعت نقيض الرحل أي صريره قوله‏:‏ ‏(‏مع العسر يسرا قال ابن عيينة‏:‏ أي أن مع ذلك العسر يسرا آخر، كقوله هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين‏)‏ وهذا مصير من ابن عيينة إلى اتباع النحاة في قولهم إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، وموقع التشبيه أنه كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسنى كذا ثبت لهم تعدد اليسر، أو أنه ذهب إلى أن المراد بأحد اليسرين الظفر وبالآخر الثواب فلا بد للمؤمن من أحدهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولن يغلب عسر يسرين‏)‏ روى هذا مرفوعا موصولا ومرسلا، وروى أيضا موقوفا، أما المرفوع فأخرجه ابن مردويه من حديث جابر بإسناد ضعيف ولفظه ‏"‏ أوحي إلي أن مع اليسر يسرا أن مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين ‏"‏ وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه، ولن يغلب عسر يسرين‏.‏

ثم قال‏:‏ إن مع العسر يسرا إن مع اليسر يسرا ‏"‏ وإسناده ضعيف‏.‏

وأخرجه عبد الرزاق والطبري من طريق الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد من طريق قتادة قال ‏"‏ ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال‏:‏ لن يغلب عسر يسرين إن شاء الله ‏"‏ وأما الموقوف فأخرجه مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه ‏"‏ عن عمر أنه كتب إلى أبي عبيدة يقول‏:‏ مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله له بعدها فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين ‏"‏ وقال الحاكم صح ذلك عن عمر وعلي، وهو في الموطأ عن عمر لكن من طريق منقطع، وأخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد، وأخرجه الفراء بإسناد ضعيف عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد فانصب في حاجتك إلى ربك‏)‏ وصله ابن المبارك في الزهد عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فرغت فانصب‏)‏ في صلاتك ‏(‏وإلى ربك فارغب‏)‏ قال‏:‏ اجعل نيتك ورغبتك إلى ربك‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال‏:‏ إذا فرغت من الجهاد فتعبد، ومن طريق الحسن نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن ابن عباس ‏(‏ألم نشرح لك صدرك‏)‏ شرح الله صدره للإسلام‏)‏ وصله ابن مردويه من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وفي إسناده راو ضعيف‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يذكر في سورة ‏(‏ألم نشرح‏)‏ حديثا مرفوعا، ويدخل فيها حديث أخرجه الطبري وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد رفعه ‏"‏ أتاني جبريل فقال‏:‏ يقول ربك أتدري كيف رفعت ذكرك‏؟‏ قال‏:‏ الله أعلم، قال‏:‏ إذا ذكرت ذكرت معي ‏"‏ وهذا أخرجه الشافعي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق مجاهد قوله، وذكر الترمذي والحاكم في تفسيرهما قصة شرح صدره صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وقد مضى الكلام عليه في أوائل السيرة النبوية

*3*وَقَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ

الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ يُقَالُ فَمَا يُكَذِّبُكَ فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة والتين‏)‏ وقال مجاهد‏:‏ هو التين والزيتون الذي يأكل الناس‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏والتين والزيتون‏)‏ قال‏:‏ الفاكهة التي تأكل الناس‏.‏

‏(‏وطور سينين‏)‏ الطور الجبل وسينين المبارك‏.‏

وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس مثله، ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال‏:‏ التين مسجد نوح الذي بني على الجودي‏.‏

ومن طريق الربيع بن أنس قال‏:‏ التين جبل عليه التين والزيتون جبل عليه الزيتون‏.‏

ومن طريق قتادة‏:‏ الجبل الذي عليه دمشق‏.‏

ومن طريق محمد بن كعب قال‏:‏ مسجد أصحاب الكهف، والزيتون مسجد إيلياء‏.‏

ومن طريق قتادة‏:‏ جبل عليه بيت المقدس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ تَقْوِيمٍ الْخَلْقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقويم‏:‏ خلق‏)‏ كذا ثبت لأبي نعيم، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏أحسن تقويم‏)‏ قال‏:‏ أحسن خلق‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس بإسناد حسن قال‏:‏ أعدل خلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسفل سافلين إلا من آمن‏)‏ كذا ثبت للنسفي وحده وقد تقدم لهم في بدء الخلق‏.‏

وأخرج الحاكم من طريق عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله‏:‏ ‏(‏ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا‏)‏ قال‏:‏ الذين قرءوا القرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال فما يكذبك فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم كأنه قال‏:‏ ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب‏)‏ في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني ‏"‏ تدالون ‏"‏ بلام بدل النون الأولى، والأول هو الصواب، كذا هو في كلام الفراء بلفظه وزاد في آخره‏:‏ بعدما تبين له كيفية خلقه‏.‏

قال ابن التين‏:‏ كأنه جعل ‏"‏ ما ‏"‏ لمن يعقل وهو بعيد‏.‏

وقيل‏:‏ المخاطب بذلك الإنسان المذكور، قيل هو على طريق الالتفات وهذا عن مجاهد، أي ما الذي جعلك كاذبا‏؟‏ لأنك إذا كذبت بالجزاء صرت كاذبا، لأن كل مكذب بالحق فهو كاذب‏.‏

وأما تعقب ابن التين قول الفراء جعل ‏"‏ ما ‏"‏ لمن يعقل وهو بعيد، فالجواب أنه ليس ببعيد فيمن أبهم أمره، ومنه ‏(‏إني نذرت لك ما في بطني محررا‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عدي‏)‏ هو ابن ثابت الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقرأ في العشاء بالتين‏)‏ تقدم شرحه في صفة الصلاة‏.‏

وقد كثر سؤال بعض الناس‏:‏ هل قرأ بها في الركعة الأول أو الثانية‏؟‏ أو قرأ فيهما معا كأن يقول أعادها في الثانية‏؟‏ وعلى أن يكون قرأ غيرها فهل عرف‏؟‏ وما كنت أستحضر لذلك جوابا، إلى أن رأيت في ‏"‏ كتاب الصحابة لأبي علي بن السكن ‏"‏ في ترجمة زرعة بن خليفة رجل من أهل اليمامة أنه قال ‏"‏ سمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأتيناه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا وأسهم لنا، وقرأ في الصلاة بالتين والزيتون وإنا أنزلناه في ليلة القدر ‏"‏ فيمكن إن كانت هي الصلاة التي عين البراء بن عازب أنها العشاء أن يقال قرأ في الأولى بالتين وفي الثانية بالقدر، ويحصل بذلك جواب السؤال‏.‏

ويقوى ذلك أنا لا نعرف في خبر من الأخبار أنه قرأ بالتين والزيتون إلا في حديث البراء ثم حديث زرعة هذا

*3*سُورَةُ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق‏)‏ قال صاحب الكشاف‏:‏ ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أنها أول سورة نزلت، وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب‏.‏

كذا قال‏.‏

والذي ذهب أكثر الأئمة إليه هو الأول‏.‏

وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتيبة حدثنا حماد عن يحيى بن عتيق عن الحسن قال‏:‏ اكتب في المصحف في أول الإمام بسم الله الرحمن الرحيم واجعل بين السورتين خطا‏)‏ في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني ‏"‏ حدثنا قتيبة ‏"‏ وقد أخرجه ابن الضريس في ‏"‏ فضائل القرآن ‏"‏ حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بهذا، وحماد هو ابن زيد، وشيخه بصري ثقة من طبقة أيوب مات قبله، ولم أر له في البخاري إلا هذا الموضع‏.‏

وقوله ‏"‏في أول الإمام ‏"‏ أي أم الكتاب، وقوله ‏"‏خطا ‏"‏ قال الداودي إن أراد خطا فقط بغير بسملة فليس بصواب لاتفاق الصحابة على كتابة البسملة بين كل سورتين إلا براءة وإن أراد بالإمام إمام كل سورة فيجعل الخط مع البسملة فحسن فكان ينبغي أن يستثنى براءة‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ معناه اجعل البسملة في أوله فقط، واجعل بين كل سورتين علامة للفاصلة، وهو مذهب حمزة من القراء السبعة‏.‏

قلت‏:‏ المنقول ذلك عن حمزة في القراءة لا في الكتابة، قال‏:‏ وكأن البخاري أشار إلى أن هذه السورة لما كان أولها مبتدأ بقوله تعالى ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ أراد أن يبين أنه لا تجب البسملة في أول كل سورة‏.‏

بل من قرأ البسملة في أول القرآن كفاه في امتثال هذا الأمر‏.‏

نعم استنبط السهيلي من هذا الأمر ثبوت البسملة في أول الفاتحة لأن هذا الأمر هو أول شيء نزل من القرآن فأولى مواضع امتثاله أول القرآن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ اكْتُبْ فِي الْمُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الْإِمَامِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا وَقَالَ مُجَاهِدٌ نَادِيَهُ عَشِيرَتَهُ الزَّبَانِيَةَ الْمَلَائِكَةَ وَقَالَ مَعْمَرٌ الرُّجْعَى الْمَرْجِعُ لَنَسْفَعَنْ قَالَ لَنَأْخُذَنْ وَلَنَسْفَعَنْ بِالنُّونِ وَهِيَ الْخَفِيفَةُ سَفَعْتُ بِيَدِهِ أَخَذْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ ناديه عشيرته‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد، وهو تفسير معنى، لأن المدعو أهل النادي والنادي المجلس المتخذ للحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الزبانية الملائكة‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال معمر الرجعي المرجع‏)‏ كذا لأبي ذر، وسقط لغيره ‏"‏ وقال معمر ‏"‏ فصار كأنه من قول مجاهد والأول هو الصواب، وهو كلام أبي عبيدة في ‏"‏ كتاب المجاز ‏"‏ ولفظه ‏(‏إلى ربك الرجعى‏)‏ قال‏:‏ المرجع والرجوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لنسفعن بالناصية لنأخذن، ولنسفعن بالنون وهي الخفيفة، سفعت بيده أخذت‏)‏ هو كلام أبي عبيدة أيضا ولفظه‏:‏ و ‏(‏لنسفعن‏)‏ إنما يكتب بالنون لأنها نون خفيفة انتهى‏.‏

وقد روي عن أبي عمرو بتشديد النون، والموجود في مرسوم المصحف بالألف، والسفع القبض على الشيء بشدة، وقيل أصله الأخذ بسفعة الفرس أي سواد ناصيته، ومنه قولهم‏:‏ به سفعة من غضب، لما يعلو لون الغضبان من التغير، ومنه امرأة سفعاء

*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح و حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ سَلْمَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ قَالَ وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ قَالَ لِخَدِيجَةَ أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ قَالَتْ خَدِيجَةُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ قَالَ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا ذَكَرَ حَرْفًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا أُوذِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ قَالَ فِي حَدِيثِهِ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَفَرِقْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَهِيَ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب‏.‏

وحدثني سعيد بن مروان‏)‏ الإسناد الأول قد ساق البخاري المتن به في أول الكتاب، وساق في هذا الباب المتن بالإسناد الثاني، وسعيد بن مروان هذا هو أبو عثمان البغدادي نزيل نيسابور من طبقة البخاري، شاركه في الرواية عن أبي نعيم وسليمان بن حرب ونحوهما، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، ومات قبل البخاري بأربع سنين‏.‏

ولهم شيخ آخر يقال الله أبو عثمان سعيد بن مروان الرهاوي، حدث عنه أبو حاتم وابن أبي رزمة وغيرهما، وفرق البخاري في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ بينه وبين البغدادي، ووهم من زعم أنهما واحد وآخرهم الكرماني‏.‏

ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة بكسر الراء وسكون الزاي‏.‏

واسم أبي رزمة غزوان، وهو مروزي من طبقة أحمد بن حنبل، فهو من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري، ومع ذلك فحدث عنه بواسطة، وليس له عنده سوى هذا الموضع‏.‏

وقد حدث عنه أبو داود بلا واسطة‏.‏

وشيخه أبو صالح سلمويه اسمه سليمان بن صالح الليثي المروزي يلقب سلمويه، ويقال اسم أبيه داود، وهو من طبقة الراوي عنه من حيث الرواية إلا أنه تقدمت وفاته، وكان من أخصاء عبد الله بن المبارك والمكثرين عنه‏.‏

وقد أدركه البخاري بالسن لأنه مات سنة عشر ومائتين، وما له أيضا في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

وعبد الله هو ابن المبارك الإمام المشهور، وقد نزل البخاري في حديثه في هذا الإسناد درجتين، وفي حديث الزهري ثلاث درجات، وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفي في أوائل هذا الكتاب، وسأذكر هنا ما لم يتقدم ذكره مما اشتمل عليه من سياق هذه الطريق وغيرها من الفوائد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا من مراسيل الصحابة، لأن عائشة لم تدرك هذه القصة فتكون سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي‏.‏

وتعقبه من لم يفهم مراده فقال‏:‏ إذا كان يجوز أنها سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يجزم بأنها من المراسيل‏؟‏ والجواب أن مرسل الصحابي ما يرويه من الأمور التي لم يدرك زمانها، بخلاف الأمور التي يدرك زمانها فإنها لا يقال إنها مرسلة، بل يحمل على أنه سمعها أو حضرها ولو لم يصرح بذلك، ولا تختص هذا بمرسل الصحابي بل مرسل التابعي إذا ذكر قصة لم يحضرها سميت مرسلة، ولو جاز في نفس الأمر أن يكون سمعها من الصحابي الذي وقعت له تلك القصة‏.‏

وأما الأمور التي يدركها فيحمل على أنه سمعها أو حضرها، لكن بشرط أن يكون سالما من التدليس والله أعلم‏.‏

ويؤيد أنها سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قولها في أثناء هذا الحديث ‏"‏ فجاءه الملك فقال‏:‏ اقرأ‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أنا بقارئ‏.‏

قال فأخذني ‏"‏ إلى آخره‏.‏

فقوله قال فأخذني فغطني ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك فتحمل بقية الحديث عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة‏)‏ زاد في رواية عقيل كما تقدم في بدء الوحي ‏"‏ من الوحي ‏"‏ أي في أول المبتدآت من إيجاد الوحي الرؤيا، وأما مطلق ما يدل على نبوته فتقدمت له أشياء مثل تسليم الحجر كما ثبت في صحيح مسلم وغير ذلك، و ‏"‏ ما ‏"‏ في الحديث نكرة موصوفة، أي أول شيء‏.‏

ووقع صريحا في حديث ابن عباس عند ابن عائذ‏.‏

ووقع في مراسيل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدولابي ما يدل على أن الذي كان يراه صلى الله عليه وسلم هو جبريل ولفظه ‏"‏ أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ ‏:‏ أرأيتك الذي كنت أحدثك إني رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الوحي‏)‏ يعني إليه وهو إخبار عما رآه من دلائل نبوته من غير أن يوحي بذلك إليه وهو أول ذلك مطلقا ما سمعه من بحيرا الراهب، وهو عند الترمذي بإسناد قوي عن أبي موسى، ثم ما سمعه عند بناء الكعبة حيث قيل له ‏"‏ اشدد عليك إزارك ‏"‏ وهو في صحيح البخاري من حديث جابر، وكذلك تسليم الحجر عليه وهو عند مسلم من حديث جابر بن سمرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصالحة‏)‏ قال ابن المرابط هي التي ليست ضغثا ولا من تلبيس الشيطان ولا فيها ضرب مثل مشكل، وتعقب الأخير بأنه إن أراد بالمشكل ما لا يوقف على تأويله فمسلم وإلا فلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلق الصبح‏)‏ يأتي في سورة الفلق قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم حبب إليه الخلاء‏)‏ هذا ظاهر في أن الرؤيا الصادقة كانت قبل أن يحبب إليه الخلاء، ويحتمل أن تكون لترتيب الأخبار، فيكون تحبيب الخلوة سابقا على الرؤيا الصادقة، والأول أظهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخلاء‏)‏ بالمد المكان الخالي، ويطلق على الخلوة، وهو المراد هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان يلحق بغار حراء‏)‏ كذا في هذه الرواية، وتقدم في بدء الوحي بلفظ ‏"‏ فكان يخلو ‏"‏ وهي أوجه‏.‏

وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق ‏"‏ فكان يجاوز‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الليالي ذوات العدد‏)‏ في رواية ابن إسحاق أنه كان يعتكف شهر رمضان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال والتحنث التعبد‏)‏ هذا ظاهر في الإدراج، إذ لو كان من بقية كلام عائشة لجاء فيه قالت، وهو يحتمل أن يكون من كلام عروة أو من دونه، ولم يأت التصريح بصفة تعبده، لكن في رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق ‏"‏ فيطعم من يرد عليه من المساكين ‏"‏ وجاء عن بعض المشايخ أنه كان يتعبد بالتفكر، ويحتمل أن تكون عائشة أطلقت على الخلوة بمجردها تعبدا، فإن الانعزال عن الناس ولا سيما من كان على باطل من جملة العبادة كما وقع للخليل عليه السلام حيث قال ‏(‏إني ذاهب إلى ربي‏)‏ ، وهذا يلتفت إلى مسألة أصولية، وهو أنه صلى الله عليه وسلم هل كان قبل أن يوحي إليه متعبدا بشريعة نبي قبله‏؟‏ قال الجمهور‏:‏ لا، لأنه لو كان تابعا لاستبعد أن يكون متبوعا، ولأنه لو كان لنقل من كان ينسب إليه‏.‏

وقيل نعم واختاره ابن الحاجب، واختلفوا في عيينة على ثمانية أقوال‏:‏ أحدها آدم حكاه ابن برهان، الثاني نوح حكاه الآمدي، الثالث إبراهيم ذهب إليه جماعة واستدلوا بقوله تعالى ‏(‏أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا‏)‏ ، الرابع موسى، الخامس عيسى، السادس بكل شيء بلغه عن شرع نبي من الأنبياء وحجته ‏(‏أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده‏)‏ ، السابع الوقف واختاره الآمدي، ولا يخفى قوة الثالث ولا سيما مع ما نقل من ملازمته للحج والطواف ونحو ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم والله أعلم‏.‏

وهذا كله قبل النبوة، وأما بعد النبوة فقد تقدم القول فيه في تفسير سورة الأنعام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى أهله‏)‏ يعني خديجة وأولاده منها، وقد سبق في تفسير سورة النور في الكلام على حديث الإفك تسمية الزوجة أهلا، ويحتمل أن يريد أقاربه أو أعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يرجع إلى خديجة فيتزود‏)‏ خص خديجة بالذكر بعد إذ عبر بالأهل إما تفسيرا بعد إبهام، وإما إشارة إلى اختصاص التزود بكونه من عندها دون غيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيتزود لمثلها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بمثلها ‏"‏ بالموحدة، والضمير لليالي أو للخلوة أو للعبادة أو للمرات‏.‏

أي السابقة، ثم يحتمل أن يكون المراد أنه يتزود ويخلو أياما، ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما، ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما إلى أن ينقضي الشهر‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد أن يتزود لمثلها إذا حال الحول وجاء ذلك الشهر الذي جرت عادته أن يخلو فيه، وهذا عندي أظهر، ويؤخذ منه إعداد الزاد للمختلي إذا كان بحيث يتعذر عليه تحصيله لبعد مكان اختلائه من البلد مثلا، وأن ذلك لا يقدح في التوكل وذلك لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد حصول النبوة له بالرؤيا الصالحة، وإن كان الوحي في اليقظة قد تراخى عن ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو في غار حراء‏)‏ جملة في موضع الحال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءه الملك‏)‏ هو جبريل كما جزم به السهيلي، وكأنه أخذه من كلام ورقة المذكور في حديث الباب‏.‏

ووقع عند البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ فجاءه الملك فيه، أي في غار حراء، كذا عزاه شيخنا البلقيني للدلائل فتبعته، ثم وجدته بهذا اللفظ في كتاب التعبير فعزوه له أولى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ إذا علم أنه كان يجاوز في غار حراء في شهر رمضان وأن ابتداء الوحي جاءه وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نبئ في شهر رمضان ويعكر على قول ابن إسحاق أنه بعث على رأس الأربعين مع قوله إنه شهر في رمضان ولد، ويمكن أن يكون المجيء في الغار كان أو لا في شهر رمضان وحينئذ نبئ وأنزل عليه ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ ، ثم كان المجيء الثاني في شهر ربيع الأول بالإنذار وأنزلت عليه ‏(‏يا أيها المدثر قم فأنذر‏)‏ فيحمل قول ابن إسحاق ‏"‏ على رأس الأربعين ‏"‏ أي عند المجيء بالرسالة، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اقرأ‏)‏ يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه، ويحتمل أن يكون على بابه من الطلب فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال وإن قدر عليه بعد ذلك، ويحتمل أن تكون صيغة الأمر محذوفة أي قل اقرأ، وإن كان الجواب ما أنا بقارئ فعلى ما فهم من ظاهر اللفظ، وكأن السر في حذفها لئلا يتوهم أن لفظ قل من القرآن، ويؤخذ منه جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وأن الأمر على الفور، لكن يمكن أن يجاب بأن الفور فهم من القرينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أنا بقارئ‏)‏ وقع عند ابن إسحاق في مرسل عبيد بن عمير ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال‏:‏ اقرأ، قلت‏:‏ ما أنا بقارئ ‏"‏ قال السهيلي قال بعض المفسرين‏:‏ إن قوله‏:‏ ‏(‏ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه‏)‏ إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حيث قال له ‏"‏ اقرأ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغطني‏)‏ تقدم بيانه في بدء الوحي، ووقع في ‏"‏ السيرة لابن إسحاق ‏"‏ فغتني بالمثناة بدل الطاء وهما بمعنى والمراد غمني وصرح بذلك ابن أبي شيبة في مرسل عبد الله بن شداد وذكر السهيلي أنه روى سأبي بمهملة ثم همزة مفتوحة ثم موحدة أو مثناة وهما جميعا بمعنى الخنق، وأغرب الداودي فقال‏:‏ معنى فغطني صنع بي شيئا حتى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية‏.‏

والحكمة في هذا الغط شغله عن الالتفات لشيء آخر أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه، فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقى إليه، وهذا وإن كان بالنسبة إلى علم الله حاصل لكن لعل المراد إبرازه للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم، وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئا فلما لم يأت بشيء دل على أنه لا يقدر عليه وقيل أراد أن يعلمه أن القراءة ليست من قدرته ولو أكره عليها، وقيل‏:‏ الحكمة فيه أن التخيل والوهم والوسوسة ليست من صفات الجسم؛ فلما وقع ذلك لجسمه علم أنه من أمر الله‏.‏

وذكر بعض من لقيناه أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغطني الثالثة‏)‏ يؤخذ منه أن من يريد التأكيد في أمر وإيضاح البيان فيه أن يكرره ثلاثا، وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما سبق في كتاب العلم، ولعل الحكمة في تكرير الإقراء الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث‏:‏ القول، والعمل، والنية‏.‏

وأن الوحي يشتمل على ثلاث‏:‏ التوحيد، والأحكام والقصص‏.‏

وفي تكرير الغط الإشارة إلى الشدائد الثلاث التي وقعت له وهي‏:‏ الحصر في الشعب، وخروجه في الهجرة وما وقع له يوم أحد‏.‏

وفي الإرسالات الثلاثة إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث المذكورة‏:‏ في الدنيا والبرزخ، والآخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ اقرأ باسم ربك - إلى قوله - ما لم يعلم‏)‏ هذا القدر من هذه السورة هو الذي نزل أولا، بخلاف بقية السورة فإنما نزل بعد ذلك بزمان‏.‏

وقد قدمت في تفسير المدثر بيان الاختلاف في أول ما نزل، والحكمة في هذه الأولية أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن‏:‏ ففيها براعة الاستهلال، وهي جديرة أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله، وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى العنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ المتكلم في فن فيؤكده بذكر مثال سابق، وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن أنها تنحصر في علوم التوحيد والأحكام والأخبار، وقد اشتملت على الأمر بالقراءة والبداءة فيها ببسم الله، وفي هذه الإشارة إلى الأحكام وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين، وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله‏:‏ ‏(‏علم الإنسان ما لم يعلم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏باسم ربك‏)‏ استدل به السهيلي على أن البسملة يؤمر بقراءتها أول كل سورة، لكن لا يلزم من ذلك أن تكون آية من كل سورة، كذا قال، وقرره الطيبي فقال‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ قدم الفعل الذي هو متعلق الباء لكون الأمر بالقراءة أهم، وقوله‏:‏ ‏(‏اقرأ‏)‏ أمر بإيجاد القراءة مطلقا، وقوله ‏"‏باسم ربك ‏"‏ حال، أي اقرأ مفتتحا باسم ربك‏:‏ وأصح تقاديره قل باسم الله ثم اقرأ، قال فيؤخذ منه أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة انتهى‏.‏

لكن لا يلزم من ذلك أن تكون مأمورا بها، فلا تدل على أنها آية من كل سورة، وهو كما قال، لأنها لو كان للزم أن تكون آية قبل كل آية وليس كذلك‏.‏

وأما ما ذكره القاضي عياض عن أبي الحسن بن القصار من المالكية أنه قال‏:‏ في هذه القصة رد على الشافعي في قوله إن البسملة آية من كل سورة، قال‏:‏ لأن هذا أول سورة أنزلت وليس في أولها البسملة، فقد تعقب بأن فيها الأمر بها وإن تأخر نزولها‏.‏

وقال النووي‏:‏ ترتيب آي السور في النزول لم يكن شرطا، وقد كانت الآية تنزل فتوضع في مكان قبل التي نزلت قبلها ثم تنزل الأخرى فتوضع قبلها، إلى أن استقر الأمر في آخر عهده صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب، ولو صح ما أخرجه الطبري من حديث ابن عباس ‏"‏ أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة والبسملة قبل قوله ‏"‏ اقرأ ‏"‏ لكان أولى في الاحتجاج، لكن في إسناده ضعف وانقطاع، وكذا حديث أبي ميسرة ‏"‏ أن أول ما أمر به جبريل قال له‏:‏ قل بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ‏"‏ هو مرسل وإن كان رجاله ثقات، والمحفوظ أن أول ما نزل ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ وأن نزول الفاتحة كان بعد ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ترجف بوادره‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فؤاده ‏"‏ وقد تقدم بيان ذلك في بدء الوحي، وترجف عندهم بمثناة فوقانية ولعلها في رواية ‏"‏ يرجف فؤاده ‏"‏ بالتحتانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زملوني زملوني‏)‏ كذا للأكثر مرتين، كذا تقدم في بدء الوحي، ووقع لأبي ذر هنا مرة واحدة‏.‏

والتزميل التلفيف‏.‏

وقال ذلك لشدة ما لحقه من هول الأمر، وجرت العادة بسكون الرعدة بالتلفيف‏.‏

ووقع في مرسل عبيد بن عمير ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم خرج فسمع صوتا من السماء يقول‏:‏ يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي في ناحية آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ‏"‏ وسيأتي في التعبير أن مثل ذلك وقع له عند فترة الوحي، وهو المعتمد، فإن إعلامه بالإرسال وقع ب قوله‏:‏ ‏(‏قم فأنذر‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فزملوه حتى ذهب عنه الروع‏)‏ بفتح الراء أي الفزع، وأما الذي بضم الراء فهو موضع الفزع من القلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لخديجة‏:‏ أي خديجة، ما لي لقد خشيت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ قد خشيت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرها الخبر‏)‏ تقدم في بدء الوحي بلفظ ‏"‏ فقاله لخديجة وأخبرها الخبر‏:‏ لقد خشيت ‏"‏ وقوله ‏"‏ وأخبرها الخبر ‏"‏ جملة معترضة بين القول والمقول، وقد تقدم في بدء الوحي ما قالوه في متعلق الخشية المذكورة‏.‏

وقال عياض‏:‏ هذا وقع له أول ما رأى التباشير في النوم ثم في اليقظة، وسمع الصوت قبل لقاء الملك، فأما بعد مجيء الملك فلا يجوز عليه الشك ولا يخشى من تسلط الشيطان‏.‏

وتعقبه النووي بأنه خلاف صريح الشفاء، فإنه قال بعد أن غطه الملك وأقرأه ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ ، قال‏:‏ إلا أن يكون أراد أن قوله ‏"‏ خشيت على نفسي ‏"‏ وقع منه إخبارا عما حصل له أولا لا أنه حالة إخبارها بذلك جازت فيتجه، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلا أبشر‏)‏ بهمزة قطع ويجوز الوصل، وأصل البشارة في الخير‏.‏

وفي مرسل عبيد بن عمير ‏"‏ فقالت أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يخزيك الله‏)‏ بخاء معجمة وتحتانية‏.‏

ووقع في رواية معمر في التعبير ‏"‏ يحزنك ‏"‏ بمهملة ونون ثلاثيا ورباعيا، قال اليزيدي‏:‏ أحزنه لغة تميم، وحزنه لغة قريش، وقد نبه على هذا الضبط مسلم‏.‏

والخزي الوقوع في بلية وشهرة بذلة، ووقع عند ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم مرسلا ‏"‏ أن خديجة قالت‏:‏ أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاء‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

فجاءه جبريل، فقال‏:‏ يا خديجة، هذا جبريل‏.‏

قالت‏:‏ قم فاجلس على فخذي اليسرى، ثم قالت‏:‏ هل تراه‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قالت فتحول إلى اليمنى كذلك، ثم قالت‏:‏ فتحول فاجلس في حجري كذلك، ثم ألقت خمارها وتحسرت وهو في حجرها وقالت‏:‏ هل تراه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قالت‏:‏ اثبت، فوالله إنه لملك وما هو بشيطان‏"‏‏.‏

وفي رواية مرسلة عند البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ أنها ذهبت إلى عداس وكان نصرانيا فذكرت له خبر جبريل فقال‏:‏ هو أمين الله بينه وبين النبيين، ثم ذهبت إلى ورقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانطلقت به إلى ورقة‏)‏ في مرسل عبيد بن عمير أنها أمرت أبا بكر أن يتوجه معه، فيحتمل أن يكون عند توجيهها أو مرة أخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماذا ترى‏)‏ ‏؟‏ في رواية ابن منده في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ من طريق سعيد بن جبير ‏"‏ عن ابن عباس عن ورقة ابن نوفل قال‏:‏ قلت يا محمد أخبرني عن هذا الذي يأتيك، قال‏:‏ يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله‏)‏ هكذا وقع هنا وفي التعبير، وقد تقدم القول فيه في بدء الوحي، ونبهت عليه هنا لأني نسيت هذه الرواية هناك لمسلم فقط تبعا للقطب الحلبي، قال النووي‏:‏ العبارتان صحيحتان‏.‏

والحاصل أنه تمكن حتى صار يكتب من الإنجيل أي موضع شاء بالعربية وبالعبرانية، قال الداودي‏:‏ كتب من الإنجيل الذي هو بالعبرانية هذا الكتاب الذي هو بالعربي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اسمع من ابن أخيك‏)‏ أي الذي يقول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنزل على موسى‏)‏ كذا هنا على البناء للمجهول، وقد تقم في بدء الوحي ‏"‏ أنزل الله ‏"‏ ووقع في مرسل أبي ميسرة ‏"‏ أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك ستؤمر بالجهاد وهذا أصرح ما جاء في إسلام ورقة أخرجه ابن إسحاق‏.‏

وأخرج الترمذي عن عائشة ‏"‏ أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ورقة‏:‏ كان ورقة صدقك‏.‏

ولكنه مات قبل أن تظهر، فقال‏:‏ رأيته في المنام وعليه ثياب بيض‏"‏، ولو كان من أهل النار لكان لباسه غير ذلك‏.‏

وعند البزار والحاكم عن عائشة مرفوعا ‏"‏ لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين ‏"‏ وقد استوعبت ما ورد فيه في ترجمته ترجمة من كتابي في الصحابة، وتقدم بعض خبره في بدء الوحي، وتقدم أيضا ذكر الحكمة في قول ورقة ‏"‏ ناموس موسى ‏"‏ ولم يقل عيسى مع أنه كان تنصر، وأن ذلك ورد في رواية الزبير بن بكار بلفظ ‏"‏ عيسى ‏"‏ ولم يقف بعض من لقيناه على ذلك فبالغ في الإنكار على النووي ومن تبعه بأنه ورد في غير الصحيحين بلفظ ‏"‏ ناموس عيسى ‏"‏ وذكر القطب الحلبي في وجه المناسبة لذكر موسى دون عيسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لعله لما ذكر لورقة مما نزل عليه من اقرأ ويا أيها المدثر ويا أيها المزمل فهم ورقة من ذلك أنه كلف بأنواع من التكاليف فناسب ذكر موسى لذلك، لأن الذي أنزل على عيسى إنما كان مواعظ‏.‏

كذا قال، وهو متعقب فإن نزول يا أيها المدثر ويا أيها المزمل إنما نزل بعد فترة الوحي كما تقدم بيانه في تفسير المدثر، والاجتماع بورقة كان في أول البعثة‏.‏

وزعم أن الإنجيل كله مواعظ متعقب أيضا، فإنه منزل أيضا على الأحكام الشرعية وإن كان معظمها موافقا لما في التوراة، لكنه نسخ منها أشياء بدليل قوله تعالى ‏(‏ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏فيها‏)‏ أي أيام الدعوة قاله السهيلي‏.‏

وقال المازري‏:‏ الضمير للنبوة، ويحتمل أن يعود للقصة المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليتني أكون حيا ذكر حرفا‏)‏ كذا في هذه الرواية، وتقدم في بدء الوحي بلفظ ‏"‏ إذ يخرجك قومك ‏"‏ ويأتي في رواية معمر في التعبير بلفظ ‏"‏ حين يخرجك ‏"‏ وأبهم موضع الإخراج والمراد به مكة، وقد وقع في حديث عبد الله بن عدي في السنن ‏"‏ ولولا أني أخرجوني منك ما خرجت ‏"‏ يخاطب مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يومك‏)‏ أي وقت الإخراج، أو وقت إظهار الدعوة، أو وقت الجهاد‏.‏

وتمسك ابن القيم الحنبلي بقوله في الرواية التي في بدء الوحي ‏"‏ ثم لم ينشب ورقة أن توفي ‏"‏ يرد ما وقع في السيرة النبوية لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال والمشركون يعذبونه وهو يقول أحد أحد فيقول‏:‏ أحد والله يا بلال، لئن قتلوك لاتخذت قبرك حنانا، هذا والله أعلم وهم، لأن ورقة قال ‏"‏ وإن أدركني يومك حيا لأنصرنك نصرا مؤزرا ‏"‏ فلو كان حيا عند ابتداء الدعوة لكان أول من استجاب وقام بنصر النبي صلى الله عليه وسلم كقيام عمر وحمزة‏.‏

قلت‏:‏ وهذا اعتراض ساقط، فإن ورقة إنما أراد بقوله ‏"‏ فإن يدركني يومك حيا أنصرك ‏"‏ اليوم الذي يخرجوك فيه، لأنه قال ذلك عنه عند قوله ‏"‏ أو مخرجي هم ‏"‏ وتعذيب بلال كان بعد انتشار الدعوة، وبين ذلك وبين إخراج المسلمين من مكة للحبشة ثم للمدينة مدة متطاولة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زاد معمر بعد هذا كلاما يأتي ذكره في كتاب التعبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد بن شهاب‏)‏ هو موصول بالإسنادين المذكورين في أول الباب، وقد أخرج البخاري حديث جابر هذا بالسند الأول من السندين المذكورين هنا في تفسير سورة المدثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرني‏)‏ هو عطف على شيء، والتقدير قال ابن شهاب فأخبرني عروة بما تقدم، وأخبرني أبو سلمة بما سيأتي‏.‏

قوله قال ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه‏:‏ بينا أنا أمشي‏)‏ هذا يشعر بأنه كان في أصل الرواية أشياء غير هذا المذكور، وهذا أيضا من مرسل الصحابي لأن جابرا لم يدركه زمان القصة فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر حضرها والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي‏)‏ وقع في رواية عقيل في بدء الوحي غير مصرح بذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في تفسير المدثر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت ‏"‏ وزاد مسلم في روايته ‏"‏ جاورت بحراء شهرا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري‏)‏ يؤخذ منه جواز رفع البصر إلى السماء عند وجود حادث من قبلها، وقد ترجم له المصنف في الأدب، ويستثنى من ذلك رفع البصر إلى السماء في الصلاة لثبوت النهي عنه كما تقدم في الصلاة من حديث أنس، وروى ابن السني بإسناد ضعيف عن ابن مسعود قال‏:‏ أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكواكب إذا انقضت‏.‏

ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير ‏"‏ فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي ‏"‏ وفي رواية مسلم بعد قوله شيئا ‏"‏ ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي‏)‏ كذا له بالرفع، وهو على تقدير حذف المبتدأ، أي فإذا صاحب الصوت هو الملك الذي جاءني بحراء وهو جالس، ووقع عند مسلم ‏"‏ جالسا ‏"‏ بالنصب وهو على الحال، ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير ‏"‏ فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ففزعت منه‏)‏ كذا في رواية ابن المبارك عن يونس‏.‏

وفي رواية ابن وهب عند مسلم ‏"‏ فجئثت‏"‏‏.‏

وفي رواية عقيل في بدء الوحي ‏"‏ فرعبت‏"‏، وفي روايته في تفسير المدثر ‏"‏ فجئثت ‏"‏ وكذا لمسلم وزاد ‏"‏ فجئثت منه فرقا‏"‏‏.‏

وفي رواية معمر فيه ‏"‏ فجئثت ‏"‏ وهذه اللفظة بضم الجيم، وذكر عياض أنه وقع للقابسي بالمهملة قال‏:‏ وفسره بأسرعت، قال‏:‏ ولا يصح مع قوله ‏"‏ حتى هويت ‏"‏ أي سقطت من الفزع‏.‏

قلت‏:‏ ثبت في رواية عبد الله بن يوسف عن الليث في ذكر الملائكة من بدء الخلق ولكنها بضم المهملة وكسر المثلثة بعدها مثناة تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية، ومعناها إن كانت محفوظة سقطت على وجهي حتى صرت كمن حثى عليه التراب‏.‏

قال النووي‏:‏ وبعد الجيم مثلثتان في رواية عقيل ومعمر‏.‏

وفي رواية يونس بهمزة مكسورة ثم مثلثة وهي أرجح من حيث المعنى، قال أهل اللغة‏:‏ جئت الرجل فهو مجئوت إذا فزع، وعن الكسائي جئث وجثث فهو مجئوث ومجثوث أي مذعور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت زملوني زملوني‏)‏ في رواية يحيى بن أبي كثير ‏"‏ فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا ‏"‏ وكأنه رواها بالمعنى، والتزميل والتدثير يشتركان في الأصل وإن كانت بينهما مغايرة في الهيئة‏.‏

ووقع في رواية مسلم ‏"‏ فقلت دثروني، فدثروني وصبوا علي ماء ‏"‏ ويجمع بينهما بأنه أمرهم فامتثلوا‏.‏

وأغفل بعض الرواة ذكر الأمر بالصب، والاعتبار بمن ضبط، وكأن الحكمة في الصب بعد التدثر طلب حصول السكون لما وقع في الباطن من الانزعاج، أو أن العادة أن الرعدة تعقبها الحمى، وقد عرف من الطب النبوي معالجتها بالماء البارد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت يا أيها المدثر‏)‏ يعرف من اتحاد الحديثين في نزول يا أيها المدثر عقب قوله دثروني وزملوني أن المراد بزملوني دثروني، ولا يؤخذ من ذلك نزول يا أيها المزمل حينئذ لأن نزولها تأخر عن نزول يا أيها المدثر بالاتفاق، لأن أول يا أيها المدثر الأمر بالإنذار وذلك أول ما بعث، وأول المزمل الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن فيقتضي تقدم نزول كثير من القرآن قبل ذلك، وقد تقدم في تفسير المدثر أنه نزل من أولها إلى قوله‏:‏ ‏(‏والرجز فاهجر‏)‏ وفيها محصل ما يتعلق بالرسالة، ففي الآية الأولى المؤانسة بالحالة التي هو عليها من التدثر إعلاما بعظيم قدره، وفي الثانية الأمر بالإنذار قائما وحذف المفعول تفخيما، والمراد بالقيام إما حقيقته أي قم من مضجعك، أو مجازه أي قم مقام تصميم، وأما الإنذار فالحكمة في الاقتصار عليه هنا فإنه أيضا بعث مبشرا لأن ذلك كان أول الإسلام، فمتعلق الإنذار محقق؛ فلما أطاع من أطاع نزلت ‏(‏إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‏)‏ وفي الثانية تكبير الرب تمجيدا وتعظيما، ويحتمل الحمل على تكبير الصلاة كما حمل الأمر بالتطهير على طهارة البدن والثياب كما تقدم البحث فيه وفي الآية الرابعة، وأما الخامسة فهجران ما ينافي التوحيد وما يئول إلى العذاب، وحصلت المناسبة بين السورتين المبتدأ بهما النزول فيما اشتملتا عليه من المعاني الكثيرة باللفظ الوجيز وفي عدة ما نزل من كل منهما ابتداء والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو سلمة‏:‏ وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون‏)‏ تقدم شرح ذلك في تفسير المدثر، وتقدم الكثير من شرح حديث عائشة وجابر في بدء الوحي، وبقيت منهما فوائد أخرتها إلى كتاب التعبير ليأخذ كل موضع ساقهما المصنف فيه مطولا بقسط من الفائدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم تتابع الوحي‏)‏ أي استمر نزوله‏.‏

*3*بَاب قَوْلُهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏‏.‏

*3*بَاب قَوْلُهُ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ جَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ

الشرح‏:‏

‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري ح‏.‏

وقال الليث حدثني عقيل قال قال محمد أخبرني عروة‏)‏ أما رواية معمر فسيأتي بتمامها في أول التعبير، وأما رواية الليث فوصلها المصنف في بدء الوحي، ثم في الذي قبله، ثم في التعبير، أخرجه في المواضع الثلاثة عن يحيى بن بكير عن الليث‏.‏

فأما في بدء الوحي فأفرده، وأما في الذي قبله فاختصره جدا، وساقه قبله بتمامه لكن قرنه برواية يونس وساقه على لفظ يونس، وأما التعبير فقرنه برواية معمر وساقه على لفظ معمر أيضا، ولكن لم يقع في شيء من المواضع المذكورة ‏"‏ حدثني عقيل قال قال محمد ‏"‏ وإنما في بدء الوحي ‏"‏ عن عقيل عن ابن شهاب ‏"‏ وكذا في بقية المواضع، وكذا ذكره عن عبد الله بن يوسف عن الليث في الباب الذي بعد هذا، وذكره في بدء الخلق عنه عن الليث بلفظ ‏"‏ حدثني عقيل عن ابن شهاب ‏"‏ ورواه أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث ‏"‏ حدثني عقيل قال قال محمد بن شهاب ‏"‏ فساقه بتمامه، وقد ذكر المصنف متابعة أبي صالح في بدء الوحي، وبينت هناك من وصلها ولله الحمد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الذي علم بالقلم‏)‏ كذا لأبي ذر، وسقطت الترجمة لغيره، وأورد طرفا من حديث بدء الوحي عن عبد الله بن يوسف عن الليث مقتصرا منه على قوله ‏"‏ فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فقال زملوني زملوني، فذكر الحديث ‏"‏ كذا فيه، وقد ذكر من الحديث في ذكر الملائكة من بدء الخلق حديث جابر مقتصرا عليه‏.‏

*3*باب كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة‏)‏ سقط لغير أبي ذر ‏"‏ باب ‏"‏ ومن ‏"‏ ناصية ‏"‏ إلى آخره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ فَعَلَهُ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الكريم الجزري‏)‏ هو ابن مالك وهو ثقة، وفي طبقته عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو جهل‏)‏ هذا مما أرسله ابن عباس، لأنه لم يدرك زمن قول أبي جهل ذلك، لأن مولده قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وقد أخرج ابن مردويه بإسناد ضعيف عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب قال ‏"‏ كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال‏:‏ إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو فعله لأخذته الملائكة‏)‏ وقع عند البلاذري ‏"‏ نزل اثنا عشر ملكا من الزبانية رءوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض ‏"‏ وزاد الإسماعيلي في آخره من طريق معمر عن عبد الكريم الجزري ‏"‏ قال ابن عباس لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا‏"‏‏.‏

وأخرج النسائي من طريق أبي حازم عن أبي هريرة نحو حديث ابن عباس وزاد في آخره ‏"‏ فلم يفجأهم منه إلا وهو - أي أبو جهل - ينكص على عقبيه ويتقي بيده، فقيل له، فقال‏:‏ إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ‏"‏ وإنما شدد الأمر في حق أبي جهل، ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلي الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كما تقدم شرحه في الطهارة لأنهما وان اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوى أهل طاعته وبإرادة وطء العنق الشريف، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة لو فعل ذلك، ولأن سلي الجزور لم يتحقق نجاستها، وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم عليه وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله عن عبد الكريم‏)‏ أما عمرو بن خالد فهو من شيوخ البخاري وهو الحراني ثقة مشهور، وأما عبيد الله فهو ابن عمرو الرقي، وعبد الكريم هو الجزري المذكور، وهذه المتابعة وصلها علي بن عبد العزيز البغوي في ‏"‏ منتخب المسند ‏"‏ له عن عمرو بن خالد بهذا؛ وقد أخرجه ابن مردويه من طريق زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو بالسند المذكور ولفظه بعد قوله لو فعل لأخذته الملائكة ‏"‏ عيانا ولو أن اليهود ‏"‏ إلى آخر الزيادة التي ذكرتها من عند الإسماعيلي، وزاد بعد قوله لماتوا ‏"‏ ورأوا مقاعدهم من النار‏"‏

*3*سُورَةُ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ

يُقَالُ الْمَطْلَعُ هُوَ الطُّلُوعُ وَالْمَطْلِعُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنْهُ أَنْزَلْنَاهُ الْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنْ الْقُرْآنِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَمِيعِ وَالْمُنْزِلُ هُوَ اللَّهُ وَالْعَرَبُ تُوَكِّدُ فِعْلَ الْوَاحِدِ فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ

الشرح‏:‏

قوله سورة ‏(‏إنا أنزلناه‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ سورة القدر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال المطلع هو الطلوع، والمطلع الموضع الذي يطلع منه‏)‏ قال الفراء‏:‏ المطلع بفتح اللام، وبكسرها قرأ يحيى بن وثاب، والأول أولى لأن المطلع بالفتح هو الطلوع وبالكسر الموضع والمراد هنا الأول انتهى‏.‏

وقرأ بالكسر أيضا الكسائي والأعمش وخلف وقال الجوهري‏:‏ طلعت الشمس مطلعا ومطلعا أي بالوجهين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنزلناه الهاء كناية عن القرآن‏)‏ أي الضمير راجع إلى القرآن وإن لم يتقدم له ذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنا أنزلناه خرج مخرج الجميع، والمنزل هو الله تعالى‏.‏

والعرب تؤكد فعل الرجل الواحد فتجعله بلفظ الجميع ليكون أثبت وأوكد‏)‏ هو قول أبي عبيدة، ووقع في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ نسبته إليه قال‏:‏ قال معمر، وهو اسم أبي عبيدة كما تقدم غير مرة‏.‏

وقوله ‏"‏ليكون أثبت وأوكد ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ النحاة يقولون بأنه للتعظيم‏.‏

بقوله المعظم عن نفسه ويقال عنه، انتهى‏.‏

وهذا هو المشهور أن هذا جمع التعظيم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يذكر في سورة القدر حديثا مرفوعا، ويدخل فيها حديث ‏"‏ من قام ليلة القدر ‏"‏ وقد تقدم في أواخر الصيام

*3*سُورَةُ لَمْ يَكُنْ مُنْفَكِّينَ

زَائِلِينَ قَيِّمَةٌ الْقَائِمَةُ دِينُ الْقَيِّمَةِ أَضَافَ الدِّينَ إِلَى الْمُؤَنَّثِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة لم يكن‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر، ويقال لها أيضا سورة القيمة، وسورة البينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منفكين زائلين‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قيمة القائمة دين القيمة أضاف الدين إلى المؤنث‏)‏ هو قول أبي عبيدة بلفظه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان قال‏:‏ القيمة الحساب المبين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا قَالَ وَسَمَّانِي قَالَ نَعَمْ فَبَكَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا‏)‏ كذا في رواية شعبة، وبين في رواية همام أن تسمية السورة لم يحمله قتادة عن أنس فإنه قال في آخر الحديث ‏"‏ قال قتادة‏:‏ فأنبئت أنه قرأ عليه لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ‏"‏ وسقط بيان ذلك من رواية سعيد بن أبي عروبة، هذا ما في هذه الطرق الثلاثة التي أخرجها البخاري وقد أخرجه الحاكم وأحمد والترمذي من طريق زر بن حبيش عن أبي بن كعب نفسه مطولا ولفظه ‏"‏ إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا‏.‏

والجمع بين الروايتين حمل المطلق على المقيد لقراءته لم يكن دون غيرها، فقيل‏:‏ الحكمة في تخصيصها بالذكر لأن فيها ‏(‏يتلو صحفا مطهرة‏)‏ ، وفي تخصيص أبي بن كعب التنويه به في أنه أقرأ الصحابة، فإذا قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع عظيم منزلته كان غيره بطريق التبع له، وقد تقدم في المناقب مزيد كلام في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمُنَادِي حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ قَالَ أَاللَّهُ سَمَّانِي لَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ نَعَمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أحمد بن أبي داود أبو جعفر المنادي‏)‏ كذا وقع عند الفريابي عن البخاري، والذي وقع عند النسفي ‏"‏ حدثني أبو جعفر المنادي ‏"‏ حسب، فكأن تسميته من قبل الفربري‏.‏

فعلى هذا لم يصب من وهم البخاري فيه، وكذا من قال إنه كان يرى أن محمدا وأحمد شيء واحد، وقد ذكر ذلك الخطيب عن اللالكائي احتمالا، قال‏:‏ واشتبه على البخاري، قال‏:‏ وقيل كان لأبي جعفر أخ اسمه أحمد، قال‏:‏ وهو باطل والمشهور أن اسم أبي جعفر هذا محمد وهو ابن عبيد الله بن يزيد وأبو داود كنية أبيه، وليس لأبي جعفر في البخاري سوى هذا الحديث، وقد عاش بعد البخاري ستة عشر عاما، ولكنه عمر وعاش مائة سنة وسنة وأشهرا، وقد سمع منه هذا الحديث بعينه من لم يدرك البخاري وهو أبو عمرو بن السماك فشارك البخاري في روايته عن ابن المنادي هذا الحديث وبينهما في الوفاة ثمان وثمانون سنة، وهو من لطيف ما وقع من نوع السابق واللاحق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أقرئك‏)‏ أي أعلمك بقراءتي عليك كيف تقرأ حتى لا تتخالف الروايتان، وقيل‏:‏ الحكمة فيه لتحقق قوله تعالى فيها ‏(‏رسول من الله يتلو صحفا مطهرة‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذرفت‏)‏ بفتح الراء وقبلها الذال معجمة، أي تساقطت بالدموع، وقد تقدم شرح الحديث في مناقب أبي بن كعب